الإفتتاحية – بقلم الدكتور علي زيتون

وميض الفكر مجلّة إسمها يحمل برنامجها –

كانت مجلّتنا تعرف ما تريد، حين اختارت لنفسها اسم ” وميض الفكر”. أرادت أن تبعد عن عالمها العفويّة والارتجال. فالوميض إشارة إلى التخلّق، والتخلّق إرهاصات ما قبل التشكّل والولادة. إستقت هذه المجلّة اسمها من الهمّ الثقافي الذي يشغل بال مؤسّسيها، ويحدّد مجمل سلوكهم وتوجّهاتهم. يعني أنّها ستكون مجافية للعاديّ والشائع، منافية لما يكون بلا طعم ولا لون ولا رائحة. الثقافة عندها عمق وطنيّ قوميّ إنسانيّ. إنّها انتظارات للولادات الجديدة داخل ذلك الحقل.

وإذا كانت ظروف القائمين عليها لا تسمح بقيامهم بدراسات تستطلع مسار الثقافة العالميّة الحاليّة وما يمكن أن تتمخّض عنه، والتي تتطلّب مؤسّسات أكاديميّة متخصّصة لا قبل لهم بها ، إلّا أنّهم لن يرضوا لمجلّتهم أن تكون رقما يُضاف إلى المجلّات التي لا تحمل همّا أبعد من الشهرة، وأوسع من عمليّة استقطابٍ خلّفتها لهم مرحلة حزبيّة عتيقة لم تعد تسمن ولا تغني.

ومجلّة ” وميض الفكر” لن تضع لنفسها أهدافا تعجز عن تحقيقها. إنّها تعتزّ بالنخبة الثقافيّة المميّزة التي أخذت على عاتقها أمر تقويم الأبحاث التي ترد إليها. وهي نخبة منتقاة من مفكّرين ينتمون إلى مختلف الحقول المعرفيّة القائمة. فهم القادرون على إعطاء هذه المجلّة غناها وتأمين حقوق اسمها ؛ لأنّهم ممّن وضعوا أصابعهم على جروح الثقافة ، وعرفوا كيف يداوونها. ولذلك ، فإنّنا بفعل هذه النخبة سنجعل من أهداف مجلّتنا أهدافا سامقة من جهة ، وقابلة للتحقّق من جهة ثانية .

ويعني ذلك أنّ بابها مشرع للمبدعين وحدهم، أولئك الذين اتخذوا من امتلاك ثقافة العصر هدفا محوريّا لهم، ووضعوا نصب أعينهم أن يطرحوا على تلك الثقافة من الأسئلة ما يحرجها. وهؤلاء، وعندما يتجهون إلى القمم التي يبغون ارتيادها، معروفون بطول قاماتهم التعلّميّة تعرفهم نخبة المجلّة المحكّمة من سيماهم، فتشرع لهم أبواب المجلّة.

ولئن أرادت” وميض الفكر” أن يكون لها برنامج ، فإنّها تعلنه من دون أن تخشى أن ينافسها فيه المنافسون. وهي إذ تعلنه فمن أجل تلك المنافسة المطلوبة. والبرنامج بسيط من حيث الإعداد له، عميق الغور من حيث مراميه .

1_ ندوة نصف سنويّة تكون أبحاثها مادّة لأحد محاور المجلّة. وموضوع الندوة نتاج للمرحلة الزمنيّة التي تتحيّز فيها، يطرح همومها ويجيب عن أسئلتها الملحّة.

2_ متابعة ما تصدره دور النشر من جديد، إلى أيّ حقل معرفيّ انتمى هذا الجديد. يوضع بين يديْ مختصّ خبير يرى فيه رأيه، ويبرز ما جاء به من جديد؛ لكي يصبح علامة على الطريق تهدي الباحثين إلى ما يجب أن يتجاوزوه .

3_ إقامة لقاءات أدبيّة، شعرا ونثرا،لجيل الشباب الذين عُرِفوا بأنّهم ممّن يسيرون على الدرب الصعب ، ونشرما سمق من إبداعاتهم .

4_ إقامة محاور ذات عناوين معبّرة عن هموم هذا الحقل المعرفي أو ذاك، تُنشر فيها الأبحاث المقدّمة ، والتي نالت موافقة لجنة التحكيم .

هذا ما تتطلّع إليه مجلّتنا تضعها بين يديْ قرّائها لتكون مادّة للمحاسبة والمحاورة.

إنّها هموم متعبة، ولكنّها ليست معجزة . كيف لا، وهي مسوّغ وجود هذه المجلّة، مجلّة” وميض الفكر”؟