صورة الأنا الفلسطينية في رواية «المتشائل» لإميل حبيبي

  • مسعود شكري، د. كبرى روشنفكر، د.خليل برويني، د. فرامرز ميرزايي

الملخّص

الصورة الأدبية في أبسط تعاريفها هي مجموعة من الأفکار والمشاعر الّتي تختلج في نفس الأديب بالنسبة إلی شخص أو مجموعة من الأشخاص وهو يحاول تصويرها بواسطة اللغة الأدبيّة، وقد يکون المقصود، الأديب نفسه أو المجموعة الّتي تنتسب إليها ولکن في أغلب الحالات المقصود هو الآخرون، إذن تنقسم الصورة الأدبية بشکل عامّ إلی صورة الأنا والآخر وتتّضح صورة کلّ من الأنا والآخر من خلال دراسة العلاقة الموجودة بينهما والّتي تتبيّن من خلال دراسة النصّ الأدبيّ. وبما أنّ رواية المتشائل كُتبت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتتكوّن خطوطها العريضة من جدلية الأنا الفلسطينية والآخر الإسرائيلي، تُعتبر مجالاً خصباً لدراسات الصورة الأدبية، ومن هنا تمّ اختيارها لدراسة صورة الأنا الفلسطينية من خلال المنهج الوصفي – التحليلي لدراسة النص الروائي. وتشير النتائج إلى أنّ الكاتب قد رسم صوراً متعدّدة للأنا بما فيها الأنا الموالية، والأنا المقاومة، والأنا المتخلفة والأنا المشردة معتمداً علی اللغة الرمزية أحياناً و السخرية أحياناً أخری.

الکلمات الرئيسة: الصورولوجيا، إميل حبيبي، المتشائل، صورة الأنا.

1-المقدمة:

إذا أراد شعب أن يعرف نفسه بشکل جيّد، عليه أن يعرف الشعوب الأخری لتنکشف له نقاط ضعفه وقوّته و علی هذا الأساس يجب علی الشعوب أن يوجد علاقات وسيعة مع الآخرين للمزيد من معرفتهم و بالتّالي المعرفة الأفضل بالنسبة إلی أنفسهم. و يمکن معرفة الآخرين عبر طرق عديدة، و منها دراسة الأدب و الإطّلاع على رؤی النّاس بالنّسبة إليهم وإلی الآخرين، وهذا أساس الدراسات الّتي عرفت باسم دراسات الصورولوجيا([ (أي دراسة الصورة الأدبيّة). فهذه الدراسات تترکّز علی الصورة المتشکّلة للأنا والآخر فی الأدب.

هذا ويحتوي أدب المقاومة بشكل عام ورواية المقاومة بشكل خاصّ علی مؤشّرات بارزة لجدلية الأنا والآخر بسبب التطرّق إلى علاقة التقابل أو المعاداة بين قوّتين، إضافة إلی وجود رؤی مختلفة بين الطرفين تجاه البعض والإختلاف الفکري الذي يؤدّي إلی ظهور «الأنوات» و«الآخرين» بمختلف أنواعهم. وعلى هذا الأساس «أولت رواية الصراع العربي – الإسرائيلي أهمية كبرى لبناء الشخصية الروائية العربية، وركزت عليها في تطوير الأحداث باعتبارها محوراً بارزاً في النص الروائي، فهي التي تمثل الصراع وتعبر عنه، كما أنها تقوم بالفعل وتشارك فيه، مؤثرة في مساره أو متأثرة به إذا كان خارجاً عنها». (شرشار، 2005: 124) فبالتّالي تجدر رواية المقاومة بالدراسة من زاوية الصورولوجيا والتدقيق في الصور المختلفة للأنا والآخر.

وتعتبر الشخصية من أهم مكونات العمل السردي لأنها هي الّتي تدير المواقف والأحداث وهناك علاقة وطيدة بينها وبين المكونات الأخرى للرواية بما فيها الزمان والمكان والحوار وتُعدّ مقياساً للحكم على العمل الروائي في أغلب الأحيان، فيتهمّ الباحثون بهذا العنصر بشكل كبير للتحليل الدقيق للنصوص الروائية. وقد اهتمّ أدب المقاومة بشكل عام ورواية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بشكل خاص بترسيم الشخصيات الّا أن الهيكل العام لبناء الشخصية لهذا النوع من الرواية يتكوّن من قطبين: شخصية الأنا وشخصية الآخر.

هذا ومن جانب آخر «فقد أصبح القصّ التقليدي الّذي يقوم على الرؤية الأحادية الجانب غير قادر على استيعاب العلاقات الجديدة، والمتعددة والمتنوعة ومن ثم اختفى دور الراوي العليم بكلّ شيء وارتفع صوت الشخصية لتعبّر عن أفكارها وخواطرها بمنظورها الخاصّ، وبذلك يمكننا أن ننظر إلى هذا التطور بأنّه للتأقلم مع المستجدات الطارئة ولمعالجة أزمة الإنسان المعاصر» (زعرب، 2006: 342) وعلى هذا الأساس قد نشاهد أن هناك بعض الشخصيات لها وظائف متعددة داخل النصوص الروائية، ويمكن القول أنّ شخصية سعيد تندرج ضمن هذه المجموعة من الشخصيات حيث تتراوح وظائفها بين الراوي والبطل السلبي من جانب وبين الأنا الموالية للآخر والأنا المقاومة من جانب آخر إضافة إلى ميزاتها الشخصية مثل السخرية والسفاهة وسِعة الثقافة و …. وإلى جانب هذه الشخصية هناك شخصيات فلسطينية أخرى تقع ضمن دائرة الأنا والّتي سنتطرّق إليها في هذا المقال.

فتحاول هذه الدراسة التدقيق في ما وراء سطور الرواية للتعرّف علی صورة الأنا الفسطينية الّتي رسمها حبيبي في هذه الرواية لتجيب عن هذه الأسئلة و ما شابهها: ما هي أنواع صورة الأنا الفسطينية في رواية المتشائل؟ وکيف رسم الکاتب صورة الأنا الفسطينية بواسطة اللغة الأدبية؟ وفرضيات البحث هي أنّ الروائي قدّم صور مختلفة للأنا بما فيها المقاومة والموالية وغيرها، وقد استعان بلغة الرمز والايحاء، وابتعد عن اللغة الخطابية المباشرة في رسم صورة الأنا في هذه الرواية.

2- خلفيّة البحث

بالرغم من قلّة الدراسات في مجال الصورولوجيا قیاساً بالمناهج النقدية الأخری إلّا أنّ هناك دراسات قيّمة تجدر الإشارة إليها منها کتاب «إشکالية الأنا والآخر (نماذج روائية عربيّة)» لماجدة حمّود. و قد اختارت المؤلّفة في هذا الکتاب ثماني روايات من عدة بلدان عربية و حاولت أن تناقش رؤية «الأنا» العربية ولغتها وموضعها تجاه الآخر وکيفية إيجاد علاقة التفاهم والتعامل مع الآخر في دراسة متأنيّة للروايات. من ميزات الکتاب أنّه يحتوي علی مقدّمة نظرية حول إشکالية الأنا والآخر، وتمتاز دراسة الروايات بتجاوز المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية، و الإهتمام بجماليات اللغة والمکوّنات السردية (العنوان، الفضاء، الاسم، الضمير، الحوار و…).

و هناک مقال بعنوان «جدليّة الأنا والآخر (رواية المتشائل نموذجاً)» لعيد محمّد الفيومي والّذي يتحدّث الباحث فيه عن القسم التنظيري لقضیة الأنا والآخر بشکل وجیز ويشير إلی أهميّة هذه القضية في واقع فلسطين إشارةً سریعة، کما يشير إلی مکانة رواية «المتشائل» وجوانب التجديد في مضمونها وبنائها. وبعد التطرّق إلی فحوی الرواية، ودلالة العنوان، والشخصيّات، ودلالة الزمان والمکان، یطرح جدلية الأنا والآخر ضمن الأنا الفلسطينية والآخر الإسرائيلي المحتلّ، ونحن نعتقد أنّ جدليّة الأنا والآخر في هذه الرواية قد تشمل الآخر العربي أیضاً کما قد تجعل الأمکنة بوصفها أهمّ محور تنازع بين الفلسطيني والإسرائيلي، ضمن هذه الجدلية. ومن ناحية أخری، یرکّز الدارس في هذا القسم علی المضامين دون التغلغل إلی کنه اللّغة المستعملة وتحليل استخدام المفردات، والتشابيه، والاستعارات، والصفات و … . و من جانب آخر يؤکّد الفيومي علی کيفية تعامل الأنا والآخر بعضها مع بعض أکثر ممّا يؤکّد علی الصورة المرسومة والخصائص الخلقية والفکرية والإنسانية لأيّ منهما علی أساس نصّ الروایة.

و كتاب «صورة الأنا والآخر فى السرد» لمحمد الداهي يشتمل على ثمانية فصول يختص كلّ فصل بدراسة نص رواية أو سيرة ذاتية من خلال منهج الأنا والآخر. ومن أبرز خصائص هذا الكتاب احتوائه على مقدمة حول الصورولوجيا – وقد استخدم الدارس مصطلح “الصوريات” بدل الصورولوجيا – وتعريفه ويحاول الدارس تقديم منهج لدراسات الأنا والآخر.

ويحاول كتاب «خصائص الخطاب الأدبي في رواية الصراع العربي – الصهيوني (دراسة تحليلية)» للباحث عبدالقادر شرشار استنباط الصور والتخيلات الّتي تحكم تفكير كتّاب الرواية العربية حول موضوع الصراع العربي – الصهيوني ويهتمّ بمدى تأثير الذاكرة الاجتماعية المتعلقة بالتراث الشعبي أو المحلّي والتراث الاسلامي والواقع المعيش ونمو الفكر الايديولوجي القومي العربي في توجيه النص الروائي العربي في عملية بناء وتصوير الآخر. ولأجل الوصول إلى هذه الأهداف اختار المؤلف عدة نماذج روائية عربية وأجرت دراسته عليها في ثلاثة فصول وخلاصة تنفيذية ومقدمة ومدخل. وقد خصّ الباحث الفصل الأول للكتاب لدراسة خصائص الخطاب الروائي في نص المتشائل اضافة إلى التطرق إليها ضمن الفصلين الآخرين إلى جانب الروايات المختارة الأخرى، ويبدو أنّ سبب اختيار فصل خاصّ لدراسة هذه الرواية هو اعتقاد الباحث بفرادة وتميّز هذه الرواية.

تتطرّق الکاتبة صبحية عودة زعرب في کتابها الشخصية اليهودية الاسرائيلية فی الخطاب الروائي الفلسطيني (1967-1997) إلی بعض أشهر روايات فلسطينية في الفترة المشار إليها ومنها «المتشائل» لإميل حبيبي. فدَرَست أنواع الشخصية الإسرائيلية في هذه الروايات من الجوانب المتعدّدة مثل الخصائص الجسديّة والفکرية، والتعامل مع الفلسطينيين والقضايا الأخری، کما اهتمّت بالبناء المکاني والزماني، وتقنيّات السرد وتوظيف التراث في الرواية الفلسطينية بشکل عام وفي الروايات المدروسة بشکل خاصّ. وبذلت الکاتبة اهتماماً خاصّاً بأعمال اميل حبيبي ولا سيّما رواية المتشائل، وتری أن الکاتب کان في مرحلة متقدّمة من النضخ في مجال کتابة الرواية کما تعتقد أنّ حياة اميل في ظروف الاحتلال القاسية قد أثّرت علی عمله الروائي وقرّبه من الواقع الفلسطيني إلی درجة کبيرة.

بالرغم من وجود هذه الدراسات وأمثالها، إنّ الباحث لم يحصل على دراسة مستقلة تدرس صورة الأنا الفلسطينية في رواية المتشائل وبالتّالي يبدو موضوع هذا المقال جديراً بالاهتمام.

3-الصّورولوجيا

بعدما توسّعت العلاقات الإنسانيّة وتعرَّف أبناء البلدان المختلفة علی بعضها عن طرق سلميّة کالرّحلات السياحيّة والتجارية أو غير سلميّة مثل الحروب، تشکّلت رؤی عند شعوب بلدٍما تجاه البلدان الأخری وانعکست هذه الرؤی في أدب الشّعوب. و حينما أخذ الأدب المقارن يدرس علاقات الآداب بعضها مع بعض، ظهر فيه فرع من الدراسات باسم «الصورولوجيا» الّذي «يتطرّق إلی صورة الآخر وعناصرها فی الأدب والفنّ. فالصّورولوجيا أسلوب لدراسة صورة البلدان الأخری والشخصيات الأخری في أدب أديبٍ ما أو عصرٍ ما أو مکتبٍ ما، و يهتمّ بصورة الآخر في ثقافة الأنا کما يهتمّ بصورة الأنا في ثقافة الآخر، وبالتّالي نحن نواجه في الصورولوجيا دراسة الصورة بين الثقافات». (نامور مطلق، 1388: 111) إذن السمة الرئيسة للصورولوجيا هي التطرّق إلی اختلاف «الأنا» عن «الآخر» أو اختلاف «هنا» عن «هناک»، وبالتّالي یمکن القول أنّ الصورولوجيا دراسة الإختلاف بين الواقعين في مکانين اثنین (نانکت، 1390: 106) أي واقع «الأنا» الّتي تعيش «هنا» و«الآخر» الّذي يعيش «هناک» ببعده المکاني والثقافي.

«ليس الصورولوجيا نظريةً أو مدرسة أدبية جديدة و إنّما طريقة لقراءة النّصوص و بعبارة أخری مجموعة من الإرشادات لقراءة صورة «الآخر» فی النّصوص». (نانکت، 1390: 105) يرتبط الصورولوجيا بالعلوم الأخری خاصة علم الاجتماع والتاريخ ارتباطاً وثيقاً لأنّ دراسة الصورة المطروحة فی النصوص تحتاج إلی إدراک الظروف التاريخية والإجتماعية لفترة کتابة النّصوص، (نامور مطلق، 1388: 134-133) کما أنّه يرتبط بالأنواع الأخری للنّقد والنّظريّات – إضافة علی النّقد الأدبي – مثل النّقد النّفسي، والنّقد الاجتماعي، ونقد مابعد الاستعمار ونظريّة التّلقّي. (المصدر نفسه: 123) إذن نحتاج في دراسات الصورولوجيا إلی معلومات عامة عن الظروف الاجتماعية والسياسية والتاريخية لبيئة کتابة النصّ لتساعدنا في الإدراک الصحيح والکشف عن خفايا النصّ.

هناك علاقة وطيدة بين دراسات الصورولوجيا ومفهوم الصورة ولأجل هذا يجدر التعرّف علی الصورة الأدبية ومغزاها لتبيين وظيفة الصورولوجيا. «يمکننا أن نعدّ الصورة جزءاً من التاريخ بالمعني الواقعي والسياسي، أي جزءاً من الخيال الاجتماعي والفضاء الثقافي أو الإيديولوجي الذي تقع ضمنه، فنتعرّف علی الهوية القومية، کما نتعرّف من خلال نظرتها، علی الآخر الذي يقف في مواجهة الأنا وإلی دور العوامل السياسية والاقتصادية والدينية لهذه المواجهة والعداء». (حمود، 2010: 10) وتأتي أهمية دراسة الصورة من أنّها تعني بمعرفة الصورة الذهنية التي يشکّلها الإنسان عن ذاته وعن الآخرين، لذلک فإنّ أية صورة للآخر هي انعکاس لـ«أنا» سواء أکانت تجسّد اختلافاً (الأنا مقابل الآخر) أم لقاءً (الأنا يشبه الآخر) وبذلک تعدّ الصورة فعلاً ثقافياً، يقدّم تفاعل الأنا مع الآخر أم التعبير عن الذات ونفي الآخر. (حمود، 2011: 107)

4-إميل حبيبي

ولد إميل حبيبي في عائلة شيوعية عام 1921م في حيفا بفلسطين وترعرع وعاش هناک حتی وفاته عام 1996م. (يحيی، 2007: 63) بدأ إميل حياته العملية في شرکة تکرير البترول في حيفا، ثم عمل بعد ذلک مذيعاً في إذاعة القدس وبعد الاستقالة من إذاعة القدس، عمل ککاتب فی الصحف السياسية وكتب أول رواياته «سداسية الأيام الستة» عام 1969، وتُعتبر هذه الرواية، الأولی بعد هزيمة حزيران، کما يُعتبر إميل حبيبي ثاني روائي فلسطيني يؤسّس الرواية العربية الفلسطينية المعاصرة بعد غسّان کنفاني. (النابلسي، 1992: 95-93) «دعی إميل فی أعماله الأدبية الفلسطينيين إلی عدم الرحيل من مدنهم وقراهم، علی الرغم من المجازر التی کانت العصابات الصهيونية ترتکبها لحملهم علی الرحيل وسياسة الترحيل الجماعی الذی اعتمدتها الدولة العبرية منذ البداية حتی الآن. و کان التشبّث بالأرض وبالهوية العربية لفلسطين مدار نضاله السياسي ونشاطه الأدبي علی السواء». (حافظ، 1996: 114)

يُعتبر إميل حبيبي واحداً من ثلاثة أدباء فلسطينيين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وهم غسّان کنفاني ومحمود درويش وإميل حبيبي. (الأسطة، 2008: 44) وتشتمل أعماله القصصية والروائية علی: بوابة مندلباوم (1954)، النورية – قدر الدنيا(1962)، مرثية السلطعون (1967)، سداسية الأيام الستة (1968)، الوقائع الغريبة في حياة سعيد أبي النحس المتشائل (1974)، إخطية (1985)، خرافية سرايا بنت الغول (1991) ونحو عالم بلا أقفاص (1992). تُعتبر رواية «المتشائل» أهمّ أعمال إميل الأدبية واندرجت ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية.

5-رواية «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبی النحس المتشائل»

کتب إميل ثلاث روايات: سداسية الأيام الستة، والوقائع الغريبة في حياة سعيد أبي النحس المتشائل وإخطية.  ولکن روايته الفذّة التي شاع صيتها في آفاق الأدب العربي المعاصر هی « الوقائع الغريبة في إختفاء سعيد أبي النحس المتشائل». نالت الرواية شهرة واسعة و«ترجمت إلی ست عشرة لغة من اللغات الأوروبية و غير الأوروبية» (حافظ، 1996: 115) قد صيغت هذه الرواية بشکل ذکريات کتبها سعيد، الشخصية الرئيسة في الرواية إلی الکاتب، ويسردها الکاتب بشکل حکايات قصيرة في ثلاثة فصول ولکلّ فصل اسم خاص. «لم يسلک إميل حبيبي في هذه الرواية أياً من السبل المطروقة في الرواية العربية أو العالمية، بل أسّس إبداعاً جديداً يقوم علی استلهام التراث الفلسطيني والعربي، وحسن استخدام اللغة، والجرأة فی التعامل معها، والاستعانة بالأمثال والحکايات، ثمّ اللجوء إلی السخرية أو الفکاهة السوداء. وجوهر الرواية هو وصول بطلها «سعيد» إلی حتمية صيغة الفداء والمقاومة المسلّحة». (يحيی، 2007: 64-63) يدلّ عنوان الرواية علی الخطوط العامّة داخل النصّ الروائي حيث يستخدم الکاتب صفة «المتشائل» لشخصيّة سعيد وهي «منحوتة من المتشائم والمتفائل والکاتب يشير في النصّ أنّ صفة المتشائل هي کنية لحقت بعائلة سعيد، فهي ليست وصفاً خاصّاً به، مّما يعمق الدلالة، فسعيد يقف بين حدّين هما التفاؤل والتشاؤم، السعادة والنحاسة، ممّا ينبئ بعالم الرواية الحافل بالإضطرابات والانفعالات المتنوّعة والمختلفة والمندمجة بعضها ببعض لتنعکس علاقة الأنا والآخر. فالکاتب يصف شخصية سعيد منذ البداية ويجسّد الاحساس بهذه الشخصيّة مباشرة قبل الولوج إلی النصّ ويبرز أنّ سعيداً هو مرکز التبئير الحکائي داخل النصّ والّذي تتمحور حوله العلاقة تتجسّد من خلال جدليّة الأنا بالآخر» (الفيّومي، 2011: 870-869) فشخصيّة سعيد الّتي تحمل تناقضات مختلفة وتتراوح بين اليأس والأمل، والخوف والرجاء رمز للأنا الفلسطينية في الرواية وهي في علاقة دائمة مع الآخر الاسرائيلي فی الأراضی المحتلّة. ونظراً إلی أنّ إميل حبيبي کان من سکّان الأراضی المحتلّة وقد عاش في ظروف الاحتلال القاسية، حاول في روايته أن يصوّر کيفيّة احتکاک الفلسطينيين بالاسرائيليين المحتلّين و الصراع الدائر بين الأنا والآخر في وطنه.