نساء عربيات رائدات – الدكتورة زاهية قدورة(نموذجاً)

بقلم الأستاذ الدكتور حسان حلاق

مؤرخ وأستاذ جامعي

Hassanhallak06@hotmail.com

الدكتورة زاهية مصطفى قدروة من مواليد بيروت عام 1920، نشأت في رحاب أسرة تهتم بالعلوم والفكر، فكان جدها أديب قدورة أول طبيب مسلم لبناني يتخرج من الكلية السورية (الجامعة الأميركية) في بيروت عام 1881، وكان والدها مصطفى قدورة أول صيدلي مسلم يتخرج من الكلية ذاتها عام 1900، ويؤسس صيدلية في منطقة السور في قلب بيروت، بينما كان عمها الدكتور حليم أديب قدورة (1879-1948) طبيباً ذائع الصيت في محلة السور، وهو أحد متخرجي الجامعات الفرنسية والجامعة اليسوعية عام 1902، وهو الذي انتخب نائباً عن بيروت في دورة عام 1922، وفي دورة عام 1929، ونائباً لرئيس مجلس النواب بين عامي 1922-1923. كما كان عضواً في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت 1936-1942. والأسرة من جذور عربية مغربية، وقد توزعت في مختلف أنحاء العالم العربي.

والدتها المرحومة خانم الحسامي، وأشقاؤها المرحومان الدكتور أديب ولبيب قدورة، شقيقاتها السيدة أديبة زوجة المرحوم الدكتور جودت قزعون، ووديعة زوجة الدكتور أديب خرطبيل، والمرحومة رفيقة زوجة المرحوم عبد الفتاح ميقاتي.

هذا، وقد تلقت الدكتورة زاهية قدورة دراساتها الأولى في كلية بيروت الجامعية، حيث نالت منها في عام 1939 درجة “صوفومور” ثم التحقت في الجامعة الأميركية ونالت منها عام 1943 درجة (B.A.) في الدراسات التاريخية.

في هذه الفترة توجهت إلى القاهرة فنالت من جامعة “فؤاد الأول” (القاهرة) عام 1944 ليسانس في التاريخ، وفي عام 1947 نالت درجة الماجستير في التاريخ، وفي عام 1951 نالت دكتوراه في التاريخ من جامعة القاهرة. وبعد فترة تزوجت من الدكتور محمد عبد السلام كفافي الذي كان أستاذاً في جامعة القاهرة، ثم أصبح عميداً لكلية الآداب في جامعة بيروت العربية.

في أثناء وجودها في مصر 1943-1951 شاركت الدكتورة زاهية قدورة في مختلف النشاطات الفكرية والاجتماعية والسياسية، وكانت إحدى أبرز المناضلات من أجل استقلال لبنان، والقضية الفلسطينية. فترأست التظاهرات والتحركات السياسية، وقابلت مختلف المسؤولين من أجل دعم لبنان ضد الانتداب الفرنسي لا سيما أثناء أحداث تشرين الثاني 1943.

وبعد عودتها إلى لبنان في عام 1951 التحقت بالجامعة اللبنانية كأستاذ مساعد في قسم التاريخ، وفي عام 1961 أصبحت رئيسة قسم التاريخ، وفي عام 1967 نالت رتبة الأستاذية. بين أعوام 1971-1977 عينت عميدة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية. وكانت لها نشاطات مكثفة لرفع مستوى الكلية، وكان لها الفضل في إرسال العديد من الشبان والشابات للتخصص في الدراسات العليا في باريس ولندن والولايات المتحدة الأميركية.

ومنذ نهاية عام 1977 إلى عام 1988 عادت وتولت رئاسة قسم التاريخ. ومنذ تأسيس جامعة بيروت العربية عام 1960 حرصت الدكتورة زاهية قدورة على الإسهام في بناء هذا الصرح العلمي، فشاركت في إعطاء العديد من المحاضرات العلمية لا سيما لطلاب قسم التاريخ.

في 13 كانون الثاني 1983 منحتها كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية الدكتوراه الفخرية في احتفال مهيب في دار الفتوى، مع زملائها الأفاضل د. زكي نقاش، د. عمر فروخ، ود. صبحي المحمصاني.

لها العديد من المؤلفات منها على سبيل المثال:

1- عائشة أم المؤمنين.

2- الشعوبية وأثرها السياسي والاجتماعي في العصر العباسي الأول.

3- تاريخ العرب الحديث.

4- بحوث عربية وإسلامية.

5- شبه الجزيرة العربية.

6- زاهية قدورة: رحلة العمر – بيروت 1999.

أما الأبحاث فقد نشرتها في العديد من الدوريات العلمية اللبنانية والعربية، وقد ترجم بعضها إلى لغات أجنبية، ومن بين هذه الأبحاث على سبيل المثال والتي نشرت أو ألقيت في المؤتمرات العلمية:

1- العصبية في المجتمع العربي.

2- بين التربية والتاريخ.

3- المرأة في العصر العباسي.

4- الدولة العربية.

5- الدولة العباسية.

6- مهمة الجامعة.

7- مفاهيم التاريخ في المرحلة القومية المعاصرة.

8- بيروت من خلال ابن عساكر.

9- بيروت من خلال ابن الأثير.

10- التنسيق والتعاون بين كليات الآداب في الجامعات العربية.

 11- جولة في معالم في التاريخ الإسلامي.

12- حقوق المرأة في الإسلام.

13- المرأة في حياة الرسول ·r.

14- القيم الأخلاقية والإنسانية في الحضارة الإسلامية.

15- في الوحدة العربية وقضايا المجتمع العربي.

16- تاريخنا وكيف نفهمه.

17- مفكران لبنانيان وقضية فلسطين: نجيب عازوري وميشال شيحا.

18- المرأة في الإسلام.

19- الحقيقة التاريخية عند ابن خلدون.

20- الزواج والطلاق في الإسلام.

21- الجامعة في بناء المجتمع العربي المعاصر.

22- النظام التربوي في الإسلام.

23- المرأة في الأسرة الإسلامية.

وللدكتورة زاهية قدورة نشاطات مكثفة على الأصعدة العلمية والاجتماعية، فقد تبوأت مناصب عديدة بالإضافة إلى مناصبها الأكاديمية ومنها:

1- رئيسة بعثة طلبة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في القاهرة 1945-1951.

2- رئيسة اتحاد الطلبة اللبنانيين في القاهرة 1947-1951.

3- رئيسة ومؤسسة اتحاد الجامعيات اللبنانيات منذ عام 1952-1998.

4- عضو في اللجنة التنفيذية لجمعية أهل القلم إلى العام 1957.

5- رشحت عام 1959 من قبل الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية لمنصب مستشار في جامعة الدول العربية، غير أن ذلك لم يتحقق.

6- رئيسة لجنة تكريم المؤرخ العلاّمة محمد جميل بيهم منذ عام 1978.

7- تبوأت مناصب عديدة في بعض الجمعيات النسائية في لبنان والعالم العربي.

8- رئيسة اللجنة النسائية في صندوق الزكاة.

9- عضو مؤتمر إنماء بيروت.

10- عضو مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

كما شاركت الدكتورة زاهية قدورة في العديد من المؤتمرات العلمية في لبنان والعالم العربي منها على سبيل المثل لا الحصر:

1- المؤتمر النسائي الأول (القاهرة 1944).

2- المؤتمر الثقافي العربي الأول (بيت مري – لبنان 1947).

3- مؤتمر الهيئات النسائية للشرق الأوسط (بيروت 1949).

4- المؤتمر الأول لأدباء العرب في لبنان (بيروت 1954).

5- المؤتمر الأول للجامعيات العربيات (بيروت 1964).

6- المؤتمر الأول لكل مواطن مسؤول (بيروت 1966).

7- مؤتمر المغتربين اللبنانيين (بيروت 1972). 

8- ندوة عمداء كليات الآداب (الخرطوم 1973).

9- ندوة أبو الفداء (حماه 1974).

10- المؤتمر النسائي البرلماني الآسيوي – الإفريقي (القاهرة 1974).

11- مؤتمر الحضارة العربية بين الأصالة والتجديد (بيروت 1975).

12- ندوة مستقبل التعليم الجامعي (تونس 1977).

13- المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام (دمشق 1978).

14- ابن عساكر في ذكرى مرور 900 سنة على ولادته (دمشق 1979).

15- ذكرى أبو الفداء (حماه 1974).

16- مؤتمر إعادة كتابة تاريخ عام للعرب والإسلام (الكويت 1974). 

17- مؤتمر ابن الأثير (الموصل 1982).

18- المؤتمر الإسلامي الثاني للزكاة (بيروت 1986).

19- مؤتمر التاريخ الاقتصادي  للمسلمين (القاهرة 1998).

20- المؤتمر القومي -الإسلامي الثامن (القاهرة 1998).

21- المؤتمر القومي -الإسلامي التاسع (بيروت 2000).

22- مؤتمرات علمية عديدة، شاركت فيها د. زاهية قدورة عقدت في بيروت ودمشق والقاهرة وبغداد والخرطوم وعمان والرباط ولندن وسواها من العواصم العربية والدولية.

هذا وقد أشرفت الدكتورة زاهية قدورة على العديد من رسائل وأطروحات طلاب الدراسات العليا في الدبلوم والماجستير، والدكتوراه، وكان لهؤلاء السبق في تولي المناصب العليا، وفي تولي مناصب الأستاذية في كليات الآداب في الجامعة اللبنانية والجامعات العربية.

لقد استمرت د. قدورة تسهم إسهاماً أساسياً حتى وفاتها في نشر التراث العربي والإسلامي والمحافظة عليه عن طريق الأندية الثقافية والاجتماعية، وبواسطة مشاركتها في رئاسة أو عضوية عدد من الأندية والاتحادات العلمية والثقافية والاجتماعية العاملة في بيروت، وعن طريق الدراسات والندوات العلمية التي تحرص على إقامتها أو المشاركة فيها.

لقد رحلت د. زاهية قدورة جسداً يوم الخميس في 10 تشرين الأول عام 2002، ودفنت في مدافن العائلة في جبانة الباشورة في اليوم التالي بوجود حشد كبير يتقدمهم صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني مع ممثلي الرؤساء الثلاثة: الرئيس إميل لحود، الرئيس نبيه بري، الرئيس رفيق الحريري، والهيئات والشخصيات السياسية والدبلوماسية والجامعية والثقافية. ولكنها لم ترحل روحاً وفكراً ومدرسة وراية خفاقة فوق كل جامعة، وكل كلية، ومع كل طلابها وزملائها وأصدقائها، وصديقاتها وأقاربها.

د. زاهية، لك منا كل الوفاء والتقدير والاحترام والمحبة.

شهادات واحتفالات ودروع وأوسمة التقدير:

حرصت الجامعات والمؤسسات والمراكز والأندية العلمية والثقافية على تكريم د. زاهية قدورة، ومن بين هذه الشهادات والاحتفالات والأوسمة على سبيل المثال لا الحصر:

1- شهادة دكتوراه فخرية من كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية عام 1983.

2- شهادة تقدير من كلية الآداب – جامعة الإسكندرية – عام 1992 تقديراً لدورها العلمي. 

3- وسام الأرز الوطني من رتبة فارس عام 1992.

4- حفل تكريم ودرع تقدير من المركز الإسلامي – عائشة بكار – عام 1992.

5- شهادة تقدير وشهادة المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب عام 1993.

6- حفل تكريم ودرع تقدير من النادي الثقافي العربي في بيروت عام 1994.

7- درع الوفاء من اتحاد الشباب الوطني عام 1994.

8- شهادة تقدير من جامعة الإسكندرية (ندوة الأندلس) عام 1994.

9- درع الأمينة على العهد القومي من المنتدى القومي العربي  عام 1998.

10- وسام الجيش الثالث الميداني من الجيش العربي السوري.

11- درع الوفاء والتقدير من التجمع الطلابي من أجل الوحدة.

12- حفل تكريم كلية الآداب (الفرع الأول) – الجامعة اللبنانية عام 1999.

13- وسام الأرز الوطني من رتبة كوماندور عام 1999.

14- وسام الاستحقاق الفضي من رئاسة الجمهورية اللبنانية عام 2002.

15- درع تقدير من السيدة الأولى أندره إميل لحود.

16- حفل تكريم برعاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في الأونيسكو عام 2003.

خسر لبنان والعالم العربي أستاذتنا الجليلة الدكتورة زاهية قدورة (1920-2002) إحدى رائدات النهضة النسائية والعلمية والتربوية. لقد أسهمت إسهاماً فاعلاً في الحركة الطالبية منذ أن كانت طالبة في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي الحركة الطالبية العربية في جامعة القاهرة أثناء إعدادها لرسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراه، وكثيراً ما كانت تجتمع مع الزعامات اللبنانية والعربية لنصرة القضايا العربية وفي مقدمتها قضايا فلسطين ولبنان والجزائر، وقضايا مصر والخليج العربي والمغرب العربي. وكانت “بنت الذوات” أكثر الناس اهتماماً بالطبقات الشعبية، لهذا لفت نظرها الرئيس كميل شمعون (1952-1958) أثناء قيادتها تظاهرة مطلبية، إلى أنها كيف تكون “المشاغبة” و”المناضلة” وهي “بنت الذوات” فإذا بها تواجهه بالقول: “إني بالفعل بنت الذوات في المنزل وفي الجامعة، ولكن كوني كذلك لا يتناقض، ولا يمكن أن يتناقض مع كوني المناضلة والعاملة من أجل القضايا الوطنية والقومية والإسلامية”.

والدكتورة زاهية قدورة بحسها الوطني والقومي وبخلفيتها العلمية استطاعت أن تكون أول امرأة عميدة لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية، وأن تقوم بدور بارز في تعريب البرامج في الشكل والمضمون، وخاضت من أجل ذلك معارك تربوية عديدة. وفي الوقت نفسه لم تمارس مطلقاً الطائفية والمذهبية، بل يدرك الجميع أنها ساعدت جميع طلابها والأساتذة من دون تمييز طائفي أو مذهبي أو مناطقي.

استطاعت الدكتورة زاهية قدورة أن تؤسس “مدرسة فكرية” سار عليها العديد من طلابها الذين باتوا نواباً ووزراء وأساتذة جامعات. ولا يمكن أن ننسى دورها في مؤازرة جمعية البر والإحسان في دعم إنشاء جامعة بيروت العربية عام 1960، بمراسلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والاتصال به من أجل تحقيق هذه الغاية الشريفة لكسر احتكار التعليم. ولا يمكن أن ننسى دورها عام 1967 باعتبارها رئيسة للجنة دعم المجهود الحربي لمصر، كيف جمعت في لبنان الذهب والأموال دعماً للمجهود الحربي للجيش المصري.

في عام 1998 تقاعدت الدكتورة زاهية قدورة من الجامعة اللبنانية، ولكنها لم تتقاعد مطلقاً من العمل العام والخدمة العامة، ومن النشاطات العلمية والاجتماعية، فضلاً عن مشاركتها في المؤتمرات العلمية والوطنية والإسلامية والقومية. ولقد استمرت  تنتقل من عاصمة إلى أخرى دعماً للقضية الفلسطينية والقضايا العربية. وفي وقت كانت تنتقل من عاصمة إلى أخرى لدعم القضايا العربية، حرصت إبّان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 على أن تبقى صامدة في بيروت المحروسة، أن تبقى في مدينتها، مناضلة صامدة مع الصامدين.

وفاءً وتقديراً لأستاذتنا الجليلة، وحرصاً على التواصل والوفاء، فقد كان الأوفياء الكثر يقومون بزيارتها باستمرار، وكنت ومجموعة من الزملاء والزميلات الأوفياء نحرص على زيارتها أسبوعياً لئلا تشعر بالوحدة، وبما أن الله عزّ وجلّ لم يرزقها بعقب، فقد كانت تعتبرنا جميعاً أولادها، وكانت هذه المجموعة الوفية المزوارة إنما تتمثل في الزملاء الأساتذة: إبراهيم محسن وزوجته د. نجوى الجمّال ود. عصام شبارو ود. نشأت الخطيب ود. حنيفة الخطيب وكاتب المقال وزوجته السيدة بشرى أبو غزالة ود. إبراهيم بيضون، ود. محمد مخزوم، ود. فاطمة قدورة، ود. رباح أبي حيدر وزوجته د. منيرة شاتيلا، ود. أحمد حطيط وزوجته د. مريم سليم، ود. عبد الرؤوف سنو وزوجته، ود. عبد العزيز قانصوه، ود. مسعود ضاهر وزوجته د. سونيا الدبس ود. لطفي المعوش وسواهم الكثير مع آخرين، وكانت أمسية الخميس في 10 تشرين الأول من عام 2002، الخميس الأخير من اللقاءات الزاهية والحزينة. وبوفاة زاهية قدورة تنطوي صفحة ناصعة من السجل الذهبي لبيروت ولبنان والعالم العربي ولتاريخ المرأة العربية.

لقد حرصتُ على تكريم الراحلة الدكتورة زاهية قدورة، وذلك عبر ما يلي:

1- من خلال كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية.

2- من خلال المركز الإسلامي – عائشة بكار.

3- من خلال النادي الثقافي العربي.

4- اقتراحي لوزارة التربية والتعليم العالي بتاريخ 12/10/2002 بتسمية ثانوية باسمها، وقد تحقق هذا الاقتراح بإطلاق اسمها على ثانوية في منطقة القلعة – كراكاس في رأس بيروت.

5- اقتراحي على بلدية بيروت بتاريخ 12/10/2002 بإطلاق اسمها على شارع مهم في بيروت، وقد اتخذ المجلس البلدي قراراً بإطلاق اسمها على شارع مهم في باطن بيروت.