افتتاحية العدد – بقلم الدكتور احمد محمد فارس

بسم الله الرحمن الرحيم

الدور الريادي للنخبة من المثقفين في نهضة المجتمع

rf16@aub.Edu.Lb

إنَّ ما يعانيه المجتمع من انواع الفساد ومسبباته في مختلف مناحي الحياة، ويشكو منها ومن مضاعفاتها ويعاني الكثير من ابناء الوطن، وكاد اليأس يستبدُّ بهم، لان الصرخات المدوية لا تجد لها صدى، والأنات المتصاعدة من ‏المرضى، والفقراء، والمعوزين، والعاطلين عن العمل، والشاكين، والباكين تذهب سدى، ‏ولأن اغلب المسؤولين الذين بيدهم الأمر، وتغيير الواقع المؤلم لا يبالون إلا بأنفسهم، وتحقيق مصالحهم ومنافع التابعين لهم.

‏ولذلك فإن الإصلاح المنشود، والتغيير المقصود نحو الافضل يقع على عاتق النخبة من المثقفين، وأعني بذلك المثقفين المستقلين المخلصين الذين ليس لهم أي ارتباط بحزب أو حركة أو جمعية أو جماعة أو تيار، كون المنضوي تحت كنف أيّ من هذه الجهات لا يمكنه التصريح العلني بما ‏يشعر به، وما يدركه من مآسي الناس، لأن تحركه ينبغي أن يكون ضمن الدائرة المرسومة له، لا يمكنه أن يتجاوزها، أو يخرج عن مبادئها، ولو كان ذلك مخالفاً لقناعاته واحساساته او لان المتحيز لا يميز، والغرض ‏مرض، إذن لا بُدّ من أن تتحرك النخبة من المثقفين الذين يؤثرون المصلحة العامة، ‏ويتوجهون إلى تطلعات المجتمع، وأحلام الناس، ويقومون بالدور الإنساني، معتمدين على القوة التأثيرية التي تخاطب الإحساس والعقل، وتوظف ذلك لما فيه خير المجتمع، وتنقذه من التردّي المتسارع على مختلف الأصعدة.

‏والمجتمع بحاجة الى اعادة النظر في امور كثيره في ميدان التثقيف، وأهمها معرفة الغاية واستخدام الوسائل الموصلة إليها: لأن تقدم الأمم يتوقف على قدرتها على إيجاد الوسائل التي تحقق بها مثلها العليا، فوجود المثل العليا دون وجود الوسائل التي تحققها ليس الا وهماً باطلاً، كما أن وجود الوسائل ‏الكافية دون وجود المثل العليا يضر بالفرد والمجتمع.

‏ولا يمكن أن تنجح عملية التثقيف الا إذا أدرك العاملون في الميدان مهمتهم على خير وجه، والا إذا أدركوا كيف تتم عملية التثقيف من خلال المزاوجة ‏بين التنظيم والتلقائية وبين البرامج الصحيحة، وجهود المؤسسات المعنية بالتثقيف والأهداف التي ينشدها العاملون في الميدان، وهي رفع مستوى المواطنين، وتنمية النشاط الفكري لصالح التقدم الاجتماعي الذي يعود بالخير والنفع على الفرد والمجتمع.

وتنشد عمليه التثقيف التغيير الى الافضل في اسلوب حياة الفرد، كما تنشد تدريب الفرد على استخدام المعلومات المكتسبة لرفع مستوى المعيشة، وجعل حياتهم أفضل من خلال ربط معظم الناس بالأسس العلمية.

ولا شك ان التعليم وحده لا يخلق الرجل المثقف، وإنما الذي يخلقه حقاً هي الحياة، التجربة التي يعانيها والمشكلة التي يقف عندها، هي الصلة الشخصية التي تقوم بينه وبين الماديات والمعنويات في هذه الحياة، وتأثير الحياة هو الذي يضطر الكثير من الناس الي تعلم ‏أساليب جديدة في الحياة وهذا هو التثقيف، وحصيلة تلك الأساليب هي الثقافة.

‏وقد ارتبط مفهوم المثقف بقيمته النضالية، وأرومته النقدية، وأصبح عنواناً لكل الممارسات الثقافية، التي تدافع عن المظلومين وإشارة الى كل المواقف الشجاعة ضد الظلم والظالمين، وإلى كل أشكال الاستبداد السياسي، وقد رسخ في الممارسة الفكرية أنّ “المثقف” رجل نقدي يسعى للكشف عن الحقيقة، ‏ويدافع عن المظلومين، والمضطهدين، وعن قيم الحق والعدل في المجتمع السياسي، وهو الصوت المدوّي في الدفاع عن حقوق الناس في وجه من يتسلطون عليه، وترجمان صادق لألام الفقراء والبائسين من ضحايا المجتمع، إنّ صوت الإنسان الكادح.

والمفكرون الحقيقيون (النخبة) أقرب ما يكونون إلى الصدق مع أنفسهم حين تدفعهم المشاعر الجياشة، والمبادئ السامية، أي: مبادئ العدل والحق الى فضح الفساد، والدفاع عن الضعفاء، وتحدّي المفسدين بالوسائل السلمية والعقلانية، والحضارية من دون عنف أو تعدّ، أياً كان نوعه.

‏وهم يشكلون الفئة الواعية التي اكتسبت بحكم ثقافتها موضوعية التفكير، ووضوح الرؤية، والقدرة على التحليل، والمحاكمة المنطقية مما يجعلهم في حصن من أن تنطلي عليهم أساليب البرجوازية، ومن أن يخيفهم تحكم المتسلطين، وهم وحدهم القادرون على تصحيح الصورة ‏في الوعي الجماهيري، ورسم الطريق الصحيح لتحقيقها في حيّز الواقع الملموس.

‏كما أنّه من الضروري النظر في مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر من أهم مظاهر التطور العلمي والتكنولوجي الحديث، وبات معظم الناس يستخدمونها لأسباب عديدة: التعليمية والاجتماعية والترفيهية، وأصبحت من ضرورات الحياة الحديثة، والشغل الشاغل للكثير من المشاركين فيها، كونها هيمنت على ميادين الحياة من دون استثناء، واصبح الفرد يتفاعل عبرها، ‏ويجني فوائد وأضراراً حسب استخدامها، ولا بد من التوجيه في حسن استخدامها لتؤدي إلى نهضة المجتمع، وتعمل على توصيل الأفكار وتبادل الخبرات في ما بين افراد المجتمع بتفاعل إيجابي، وتلبية احتياجات الفرد من المعرفة الحقه، وتغذية الذهن بالثقافة المفيدة، وتعميق مفهوم الإنسانية، وإيجاد مجتمع مزدهر ينعم بالسلام، والأمن والأمان في حاضره ومستقبله.

الطُّرقُ شَتَّى وَطُرقُ الحَقِّ واحدة         وَالسَّالِكُونَ طَرِيقَ الحَقِّ أَفرَادُ