محور العدد الرابع

محور العدد: 

نساء عربيات رائدات ( عائشة عبد الرحمن نموذج)

  • عائشة عبد الرحمن – المعروفة ببنت الشاطيء

رائدة من رواد الفكر الاسلامي في القرن العشرين.

بقلم :الأستاذة الدكتورة نشأت نور الدين الخطيب، استاذة التاريخ الاسلامي والوسيط ، في الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية، rimahkhatib@gmail.com

في خضم ما يدور اليوم على ارضنا العربية من المحيط الى الخليج، وعلى ارضنا الاسلامية من الصين الى المغرب مروراً بأندونيسيا وماليزيا وأفغانستان تحت مسميات تدعى كلها الاسلام بفصائل تبعد بتصرفاتها وتعاطيها مع مجتمعاتها اكثر من 1500 سنة عن الاسلام آثرت ان ابرز مفكرة اسلامية هي الرائدة عائشة عبد الرحمن، التي ولدت في دمياط عام 1913 وتوفيت عام 1998 بنوبة قلبية في القاهرة،تلقت علومها في مدرسة دمياط ثم في جامعة القاهرة حيث نالت شهادة دكتوراه في الفلسفة وانتقلت لتعلم وتدرس في الجامعة، ومن هنا اصبحت باحثة وكاتبة في جامعة شمس،  وهي ابنة عالم ازهري، وكان والدها مدرساً بالمعهد الديني بدمياط، وهي ايضاً حفيدة لاجداد من علماء الازهر.  فقد كان جدهالأمها شيخاً في الأزهر الشريف.  وعندما كانت في السابعة من عمرها وارادت الالتحاق بالمدرسة رفض والدها ذلك فتقاليد الأسرة تأبى خروج البنات من المنزل والذهاب الى المدرسة.  فتلقت تعليمها في المنزل وبدأ تفوقها يظهر حين تقدمت للإمتحانات الرسمية بتفوق رغم انها كانت تدرس بالمنزل فقط.

حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929 وكان ترتيبها الاول في مصر وهي عندما تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1939 كان ذلك بمساعدة امها لأن والدها كان يرفض ذهابها للجامعة.  وقد الفت في هذه الأثناء وهي السنة الثانية في الجامعة كتاباً بعنوان “الريف المصري”.  تزوجت استاذها في الجامعة الاستاذ  أمين الخولي صاحب الصالون الادبي والفكري الشهير بمدرسة الامناء، وأنجبت منه ثلاثة ابناء وواصلت بهذا الوقت سيرتها حتى نالت الدكتوراه عام 1950 وناقشها عميد الادب العربي الدكتور طه حسين.

واعتبرت بنت الشاطيء في حينها كاتبة ومفكرة واستاذه جامعية وباحثة نموذجية للمرأة المسلمة التي حررت نفسها بنفسها بالاسلام.

ويعود الفضل بمعرفتي لهذه الباحثة الملهمة الى المرحوم والدي الذي كان يقدس العلم والمعرفة، وعندما كنت احضر للماجستير في الحقوق عام 1968 و 1969 في جامعة القاهرة كان دوماً يحضر لي قبل سفري اسماء مجموعة كتب من ادباء وعلماء مصر لأحضرها له معي، وكان على راس هذه المجموعة اسم عائشة عبد الرحمن بنت الشاطي، واسماء كتبها الكثيرة التي كانت تسرد فيها كل معرفتها وجهدها في شرح الانسان في الاسلام ولشهرتها الواسعة فقد اصبحت استاذة للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بحامعة القرويين في المغرب واستاذ كرسي للغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس واستاذ زائر الجامعة ام درمان عام 1967 في الخرطوم والجزائر عام 1968 وجامعة بيروت العربية عام 1972 وجامعة الامارات عام 1981 وكلية التربية للبنات في الرياض من عام 1975 – الى عام 1983.

ساهمت بنت الشاطيء بتخريج اجيال من المفكرين والعلماء في تسع دول عربية قامت بالتدريس بها.  وقد خرجت مبكراً بفكرها وقلمها الى المجال العام.  اذ كانت قد بدأت النشر منذ كان سنها 18 سنة في مجلة النهضة النسائية.  وفي العشرين من عمرها بدأت الكتابة من جريدة “الاهرام”، فكانت ثاني امرأة تكتب بها بعد الاديبة مي زيادة، حيث كانت تكتب مقالاً طويلاً كل اسبوع.  وكان آخر مقالاتها ما نشر بالاهرام يوم 26 نوفمبر 1998(1).

وكان لبنت الشاطيء مواقف فكرية شهيرة وجريئة واتخذت مواقف حاسمة دفاعاً عن الاسلام والعروبة، ودعمها لتعليم المرأة واحترامها للمنطق الاسلامي والحجج الفقهية والاصولية التي تميزت بها. وحجة فقهية اصولية.  وكانت ابرز مواقفها موقفها من التفسير العصري للقرآن الكريم ذود عن التراث الحقيقي كما كان لها موقفاً شهيراً انتقدت فيه بشدة البهائية فكتبت عن علاقة البهائية بالصهيونية العالمية.

كتبها

تركت بنت الشاطيء اكثر من اربعين كتاباً في الدراسات الفقهية والاسلامية والادبية والتاريخية وابرز مؤلفاتها:

1) التفسير البياني للقرآن الكريم

2) الشخصية الاسلامية :  دراسة قرآنية

3) القرآن وقضايا العصر

4) مقدمة ابن الصلاح

5) الشخصية الاسلامية (2)

6) تراجم سيدات بيت النبوة رضي الله عنهن (3)

7) موسوعة آل النبي عليه الصلاة والسلام

8) ام النبي عليه الصلاه والسلام

9) السيدة زينب بطلة كربلاء

10) سكينة بنت الحسين

11) مع المصطفى عليه الصلاة والسلام

12) من اسرار العربية في البيان القرآني (4)

13) لغتنا والمياه

14) المحكم والمحيط الاعظم في اللغة

15) جديد في رسالة الغفران

16) قراءة جديدة في رسالة الغفران

17) رسالة الصاهل والشاجح لأبي العلاء المعري ، نصف محقق مع مدخل تاريخي وموضوعي

18) رسالة الغفران ومع نصف محقق من رسالة ابن الفارج

19) تراثنا بين ماض وحاضر

20) الشاعرة العربية المعاصرة (5)

21) قيم جديدة للأدب العربي القديم والمعاصر (6)

22) دار السلام في حياة ابي العلاء المعري

23) ارض المعجزات

24) مع ابي العلاء المعري في رحلة حياته

25) على الجسر = اسطورة الزمان

26) الغفران لأبي العلاء المعري = دراسة نقدية (7)

27) الاعجاز البياني للقرآن – ومسائل ابن الازرق (8)

28) اعداء البشر (9)

الى جانب تحقيقها الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات الى جانب الدراسات اللغوية والادبية والتاريخية والتي اوردت معظمها.  فروايتها الشهيرة على الجسر اعتبرت سيرة ذاتية لحياة هذه الباحثة الشهيرة مسجلة فيها طرفاً من سيرتها الذاتية وكتبتها بعد وفاة زوجها امين الخولي باسلوب أدبي رائع.  وفي كتابها بطلة كربلاء عن السيدة زينب شرحت ما عانته في واقعة عاشوراء سنة 61 هجرية ، وتناولت مقتل أخيها الحسين بن علي بن ابي طالب.  والأسر الذي تعرضت له بعد ذلك وقد لقبت بنت الشاطيء لأنها آثرت بداية ان تكتب مقالاتها باسم مستعار فاختارت بنت الشاطيء، لأنه يجسد جياتها الاولى على شواطيء دمياط التي ولدت بها:  وارادت من ذلك ان توثق العلاقة بينها وبين القراء وبين مقالاتها، التي كانت تكتبها في جريدة الأهرام خوفاً من اثارة حفيظة والدها.

حصلت الدكتورة عائشة على كثير من الجوائز وأهمها جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام 1978 – وجائزة الحكومة المصرية في الدراسات الا جتماعية والريف المصري عام 1956، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية وجائزة الادب من الكويت عام 1988، وفازت ايضاً بجائزة المللك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994.  كما منحتها العديد من المؤسسات الاسلامية في القاهرة ، والمجالس القومية المتخصصة واطلق اسمها على كثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.  وتوفيت هذه الباحثة عن عمريناهز 86 سنة في سكتة قلبية في اول كانون الاول عام 1998.  سكت القلب الذي لم يتوقف عن الخفقان في حب العلم واعطائه للأجيال الصاعدة (10).

فهي اول امرأة تحاضر في الازهر الشريف.  ومن اوائل من اشتغلن بالصحافة وخاصة في جريدة الاهرام.  وهي اول امرأة عربية تنال جائزة الملك فيصل للآداب كما تقدم والدراسات الاسلامية، واعتبرت نموذجاً حياً للمرأة المسلمة التي استطاعت رغم القيود على المرأة في عصرها ان تحرر نفسها بنفسها (بالاسلام).  واتخذت من مسيرتها النضالية في طريق العلم الهدف الذي قادها الى التحرير وهي تعمل جاهدة على اعلاء شأن الانسان كإنسان سواء كان رجلاً او امرأة.

فالانسان كما اشار الله جل جلاله وجد ليعمر هذه الارض.  وهي في مسيرتها وضعت بالعلم لبنات قوية في سبيل تطوير فكر الانسان وتقدمه من خلال الدين الحقيقي، فتميزت بهذا الكم الوفير من الكتابات التي تؤدي كلها الى صقل مواهب الاجيال الجديدة وقيادتها نحو بر الامان والعطاء، فهي في كتابها – الشخصية الاسلامية = دراسة قرآنية  (11) تناولت معنى الايمان في جوهر الاسلام في الفصل الاول، وفي البحث الثاني تناولت بشر لا ملائكة وفي البحث الثالث، بين المادية والروحية وفي الرابع – بين العبادة والعمل مفهوم الجهاد في الاسلام، وفي البحث الخامس بين الدين والعقل وفي البحث السادس – الذاتية الاسلامية بين الفردية والجماعية ومسؤولية القدرة، وفي الخاتمة اشارت الى ان كل هذه المعلومات تقود الى سعادة الانسان اذا التزم الخط المستقيم في حياته.

وهي عندما تتحدث عن مفهوم الجهاد في الاسلام ومجاله تقول:  الجهاد في سبيل الله ليس على الفهم الشائع، استبسالاً في قتال العدو فحسب بل يتسع مفهومه لكل جهاد في اي مجال، في سبيل الحق والعدل والخير وتستشهد بقول ورد في صحيح البخاري فتقول:  ان رجلاً سال رسول الله (ص):  ” يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن احدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية، ويقاتل سمعة.  فقال عليه السلام: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وكلمة الله هي:  الحق والعدل والخير” (12).

ويكون الجهاد يحمل امانة الكلمة، امراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وشهادة بالحق لا يخاف المؤمن فيها لومة لائم، ولا يبالي ما يلحقه في سبيلها من غضب غاضب او سطوة متجبر.  انها كلمة التقوى التي التزمها الله ورسوله والمؤمنين وكانوا احق بها وأهلها (13) ولتأكيد على انها عاشت وتحررت في ظل الاسلام تقول في كتابها الاعجاز البياني للقرآن:  “مع الكتاب المعجز عشت عمري كله، وفي المدرسة القرآنية كانت مدرستي الطويلة التي تولاها أبي في مراحلها الاولى واليها انتهى تخصصي في الدراسات العليا التي وجهني اليها، استاذي في الالهام “امين الخولي” وظل لمدة لمدى ثلث قرن يقود خطابي على الطريق الشاق ويحميني من عثرة الراي ومزالق التاويل وسطحية النظر.  ويأخذني بضوابط نهجه الدقيق الصارم الذي لا يجيز لنا ان نفسر كلمة من كلمات الله دون استقراء كامل لموضوع ورودها بمختلف صيغها في الكتاب المحكم، ولا ان نتناول موضوعاً قرآنياً او ظاهرة من ظواهره الاسلوبية دون استيعاب نظائرها وتدبر سياقها الخاص في الآية والسورة وسياقها العام في القرآن (14) .

أما في كتابها البيان القرآني في التفسير (15) وكتابها “مقالة الانسان (16)، “دراسة قرىنية” (17) وكتابها “القرآن وحرية الاراده”(18) وكتاب “القرآن وحقوق الانسان” (19) وكتاب الاكبر. وادباء العرب في بغداد (20)، وندوة علماء الاسلام في المغرب  .  ومحاضرتها في جامعة القرويين في المغرب كلها مواضيع تصب في خانة الانسان ودنياه وقرآنه.  فقد قالت في مقدمة كتابها “القرآن وقضايا العصر” معاناتي لهموم الانسان المعاصر هواجسه ومآسيه وجهتني اول الامر الى ان اقدم مباحث هذا الكتاب بعنوان – القرآن وقضايا العصر – .  ثم عدلت عنه لعلمي ان العصرية ابتذلت في زماننا، واختلت موازينها، فليس عصرياً من لا ينتحل منا فكرة الفرنجة وينتمي الى احد مدارسها ويشتغل بالتيارات الوافدة التي سيطرت على كثير من مثقفين المحدثين الذين حضروا قضايا العصر في صراع المذاهب الاقتصادية، والنظم السياسية والاوضاع الاجتماعية، ولن يجدوا في كتابي هذا ما يشغلهم، ذلك لأنني لا انتمي الى يمين ولا يسار، بالمصطلح المذهبي المعاصر، وانما انتمي الى الانسانية في شمولها المطلق وولائي لعقيدتي التي ادين بها ولأمتي التي لا ارى سواها مذهباً.

وقد ارى ان الانتماء الى مذهب دخيل او طاريء ما يحرج كرامة عقلي ويصادر حرية فكري بالالزام المذهبي الذي يحدد لي زاوية الرؤية للحياة والانسان ولا يسمح لي ان اتجاوزها او احيد عنها.

متأثرة في هذا العزوف عن الانتماء الى غير انسانيتي وعقيدتي وامتي بما حملني الاسلام من تكاليف حرية العقيدة والفكر والراي.  ومبلغ علمي ان المذاهب المحدثة:  اليمين منها واليسار تصادر هذه الحرية فلا يسمح اي مذهب منها براي مخالف، بل قد تهدر حياة الانسان في سبيل فرض المذهب بالاكراه، فالشيوعية جريمة في امريكا والخروج عليها جريمة في الدول الماركسية… الى ان تقول:  يؤرقني من مآسي الانتهاك لحرمة الانسان في عصرنا ما يزهدني في مذاهب جديدة، ونظم محدثة تتصارع على مناطق السيطرة وقواعد النفوذ ومجال الاستغلال في عالم يئن من مآسي الاضطهاد المذهبي والديني وجرائم القرصنة الصهيونية، وفواجع التفرقة العنصرية وعصرنا يمن علينا بوثيقة لحقوق الانسان، أعلنتها هيئة الأمم المتحدة منذ نحو نصف قرن من الزمان… الى ان نقول العجب في هذه الفترة الزمنية هي عمر جيل من ابنائنا تنفسوا وهم اجنة في الارحام غبار فاجعة هيروشيما وناكازاكي، واستقبلتهم في المهد عام اعلان وثيقة الامم المتحدة لحقوق الانسان وجريمة العصر التي بترت جزء من وطن الانسان العربي (وهنا نعني فلسطين) أخرج من دياره وارض اجداده ونبذ بالعراء في مخيمات اللاجئين على زمجرة الوحش الصهيوني الذي اغتصب بلادنا يعربد فيها وينتهك اقدس حرمات الانسان في مهد المدنية وارض الرسالات.  وشهد هذا الجيل من ابنائنا امنه في صباه، تقدم لمعركة تحرير الجزائر الباسلة اكثر من مليون شهيد فدية لشرف الانسان.  وعاش بوجدانه وضميره حروب الابادة والتدمير ومصارغ الشهداء والضحايا، في المذابح البشرية الجماعية بالشرق الاسيوي الافريقي.  وفي معرض الاقنعة يستوي رداء القديس وعباءة الشيطان. وتزيف القيم فيلهج بالسلام لصوص السلام ويبشر بحقوق الانسان اعداء الانسان ويرجم الاستعباد من استبدلوا بالرق الفردي، الرق الجماعي وسخروا العلم لوأد الروح الانسانية باجهزة جهنمية تغسل مخه (عقله) وتستبيح ضميره وتنتهك مكنون سره.

وقد كان العبيد في العصور الخالية تقيد ارجلهم وايديهم بالسلاسل والاغلال، وتبقى لهم ضمائرهم وقلوبهم منطقه حراماً لا تنتهك ولا يخضع لأي منطق او رقابة… الى ان تقول :  “وبانسانيتي ارنو الى امتي في محنتها بأعداء الانسان.”  في ساعات معدودات سبق اقوى جيش لها في قلب الوطن العربي والعالم الاسلامي من حرب اليمن الى مقبرة سيناء.

وفي ايام قليلات، سيق اكبر واقوى جيش لها في الشرق الآسيوي الى مجزرة دكا ومصيدة البنغال.

وغير بعيد عن باكستان المنكوبة، تواجه امتي مذابح جماعية في الفلبين والاسلحة هنا وهناك وهنالك، من قطبي الصراع المذهبي الذي يسحق الملايين هنا في لعبة توازن القوى.  ويلح في خاطري سؤال ماذا يراد بأمتي؟؟

فارانا قد مزقتنا المذاهب والاوضاع والنظم فرقاً واحزاباً وطوائف فذهبنا طرائق قددا.  وتستنزف الخصومة قوانا وتوقد فينا نار العداوة والبغضاء.  بعد ان تكفلت الارساليات الاجنبية والمدارس الاجنبية تربية جيل شده ممسوخ من ابناء الامة يدعى لغير آبائه وينتمي فكراً وثقافة ومذهباً الى غير امته.  واذ تتحمل امتي عبء هذه الجولة الشرسة من المعركة الضارية ضد اعداء الانسان تأخذ قضاياها موضعها من قضايا الانسان فيما تواجه من تكاليف الجهاد وتحديات العصروهي قضايا أنظر اليها من الموقع الفكري الذي فرضت علي عقيدتي ومدرستي ان اقف فيه نضالاً عن شرف امتي وشرف الانسان.

فليكن لسواي من المفكرين وجهات نظرهم الى قضايا العصر من مختلف الزوايا التي يطلون فيها على عالمنا، وليتقبل اصدقائي القراء وجهة نظري في الافق القرأني الذي اطل منه على وجودنا من حيث ادري ان هذا القرآن هو الذي صنع تاريخ امتي وضم شعبها تحت لوائه الجامع.  وهو الذي كرم الانسان واعطاه الكلمة الاخيرة للدين في ختام رسالته وكل ميسر لما خلق الله (20).

فهي في كتاب القرآن وقضايا العصر تحدثت عن الانسان والعصر من المبتدأ حتى المنتهى من اسجدوا لآدم الى امانة الانسان الى قضايا الحرية، فمصير الانسان وفكرة الوجود والعدم، وجدل في البعث الى انسان العصر بين الدين والعلم، والانسان والقمر فنقول:  “وصل الانسان الى القمر، وامتي في محنتها بفلول العصابات اليهودية التي حطت على ارضنا وانشبت مخالبها في صميم كياننا ووجودنا.  وفي حساب السياسة الدولية المعاصرة، انها معركة الشرق الاوسط وفي حساب التاريخ الاسلامي.  انها جولة في معركة امته ضد اعداء دنيانا تأخذ دورها في هذه المرة على ارضنا الطيبة التي تصدت ببسالة للغزو الصليبي وردته مقهوراً من حماها، وفي حساب التاريخ العام انها جولة من معركة انسانية رهيبة ضد اعداء الا امتدت من عصر الفراعنه والاشوريين والرومان… الى العصر الحديث واتسعت مكاناً من الأسر البابلي الى المانيا والشرق الاوسط.  والتاريخ لا يستطيع ان يجد تفسيراً لتتابع هذه الجولات وامتداد ابعادها الا ان تكون معركة للبشرية ضد اعداء الانسان ولا يملك ان يقدم تعليلاً الا ان الشعوب تواصلت فيما بينها على مواصلة النضال لإنفاذ البشرية من وباء خبيث(21).

واجيال البشرية تتلقى تبعة هذا الجهاد دون ان تسجله في وثيقة او عهد مكتوب ولولا انها تعي ان العنصرية اليهودية لعنة وشر وقج لانحصرت المعركة في زمن بعينه او منطقة بذاتها، ولما تتابعت جولاتها من اقدم المعروف من التاريخ الى عصر القمر.  واقع ميدانها على مسار ذلك الزمن الطويل، من وديان الرافدين والنيل ووفلسطين وشمال الحجاز الى ضفاف الفولجا والتايمز والسين والراين.  من هنا تأخذ القضية كما قلت في التقديم موضعها من قضايا الانسان في عصرنا.  وان كانت امتي هي التي تتحمل عبء هذه الجولة الشرسة بكل تكاليفها وضحاياها لحساب شرفنا وشرف الانسانن وقد سبق لي ان عرضت هذه القضية بابعادها التاريخية والفكرية في كتابي “اعداء البشر” فهي بالنسبة لي قضية ايمان وعلم تنتصر فيها امتي في جهادها الاكبر ضد عدوها وعدو الانسان وتواصل سيرتها لتأخذ المكان الذي عرفه لها تاريخ الحضارة الانسانية منذ كان “.(22)

هذه هي الرائدة الملتزمة لقضايا امتها وكأنها تعيش معنا اليوم مضاعفات الوجود الصهيوني الذي زرعه الغرب في قلب امتنا لينهك اجيالنا ويستعمر ارضنا ويقضي على حضارتنا.  فهل نستفيق؟؟؟

قبل فوات الاوان، ونحقق لها ما كانت تريده لنعيد الى امتنا موقعها الحضاري في قلب هذا العالم المضطرب الذي حكمته المادة، وافتقد الى الاخلاق .

 

 

المــــــــراجع

رقم المرجع تفسيره

1 الاهرام = 26 تشرين الثاني عام 1998

2 محاضرة القنب في جامعة بيروت العربية في 20 آذار 1973

3 تراجم سيدات بيت النبوة = طبع دار المعارف بمصر

4 محاضرة القتها في جامعة بيروت العربية في 27 آذار 1972

5 محاضرة القتها في جامعة عين شمس على طلاب قسم الدراسات الادبية واللغوية

6 عائشة عبد الرحمن ، قيم جديدة للادب العربي = دار المعارف بمصر 1967 = 1970

7 نشر دار المعارف بمصر عام 1971

8 نشر بالقاهرة في المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية عام 1968

9 أخذت هذه المعلومات عن تعريف بنت الشاطيء = اسلام اون لاين نت وبطاقة تعريف الكاتبة عائشة عبد الرحمن =بنت الشاطيء من القصة السورية

10 عائشة عبد الرحمن = الشخصية الاسلامية = دراسة قرآنية = دار العلم للملايين بيروت الطبعة الاولى = نيسان 1973

11 عائشة عبد الرحمن = الشخصية الاسلامية = ص 107

12 المرجع نفسه = الشخصية الاسلامية = ص 110

13 بنت الشاطيء = الاعجاز البياني للقرآن = ص 11

14 ظهر منه جزءان الاول والثاني = اصدار دار المعارف بمصر سنة 1969

15 كتاب طبع فيالكويت عام 1965

16 طبع في المغرب عام 1968

17 طبع في جامعة ام دريان الاسلامية 1969 في السودان

18 طبع في بغداد عام 1965

19 عقدت هذه الندوة عام 1967

20 عائشة عبد الرحمن = القرآن وقضايا العصر من ص 4 حتى صفحة 8

21 المرجع نفسه ص 257 وما بعدها

22 عائشة عبد الرحمن = القرآن وقضايا العصر ص 258

  • دور الأدب في تعريف شخصية الأمة من خلال كتاب (قيم جديدة في الأدب العربي القديم والمعاصر) للدكتورة عائشة عبد الرحمن.

 بقلم: الدكتورة فدوى نور الدين الخطيب، استاذ مساعد في كلية التربية في الجامعة اللبنانية rimahkhatib@gmail.com

دور الأدب في تعريف شخصية الأمة:

 الأدب هو الكاشف الحافظ للقيم الثابته في الإنسان والأمه , الحامل الناقل لمفاتيح الوعي في شخصية الامه والفرد , تلك الشخصية التي تتصل فيها حلقات الماضي والحاضر والمستقبل , وشخصية اي امه من الامم , ليست من الاعاض الطارئة التي تتحمل التبديل او التغيير , فيصح ان تكون موضع وجهات نظر , فمن قديم الأزل تكونت هذه الشخصية بفعل عوامل طبيعية , وسنن كونية انصهرت عناصرها في بوتقة الادوار الكبرى التي مرت بها هذه الامة في ماضي عمرها الطويل، فصقلت جوهرها الاصيل الحر , ونفت عنه الشوائب والأعراض الطارئة والصبغات الدخيلة , فبهذه الشخصية الاصيلة المميزة عرفتها الدنيا عبر الاجيال المتتالية وارتبط بها وجودها التاريخي لانه غير منفصل عنها , وهو داخل في تكوين عناصر أجيالها .

اذاً فشخصية الأمة أي أمة موجودة عبر اجيالها المتتالية , فهذا هو ناموس الوراثه , ولم تنتظر امتنا العربية هذا الجيل من التغريبين أن يرسم لها ملامح شخصيتها , كما لم تنتظر اي جيل من الاجيال ان يكسبها هوية محدثة , او يتصرف في مكونات و أصول هويتها القومية , فيمحو ما يشاء , ويثبت ما يشاء على نحو ما يحدث مع المذاهب الفكرية المستوردة , وهو ما حصل ويحصل على مختلف ساحات وطننا العربي , فاصحاب المشروع الصهيوني , المتنكرين بازياء الماسونية العالمية والداروينية والتقدمية وغيرها من المذاهب السياسية والفلسفية ممن يعبثون بوجدان ابناء امتنا . ومن دعاة الحرية المشبوهة من اعداء البشرية الذين عملوا ويعملون دوما على ابعاد ابناء امتنا عن قيمها الاصيله خاصة وان لكل أمه صورتها المميزة لها عن غيرها من الأمم  واجيالها حلقات , وعلى كل جيل أن يمد يده الى الجيل الذي يليه فاذا تم هذا , فنحن امام كيان مستقيم معافى , شان الامة في ذلك شأن الجسم السليم في الانسان بسلسلته الفقرية المتماسكة , واذا لم يتم ذلك , فنحن حتما امام كائن سقيم , انفصلت حلقات وجوده ولم يعد يصلح للبقاء، وهو ما يحصل على مختلف ساحات وطننا العربي الشقي بمختلف اقطاره .

والعامود الفقري لاي امة هو التاريخ المشترك، والذي يؤدي حتما الى مصير مشترك،  وماضي الانسان مرتبط ارتباطا وثيقا بحاضره ، ومستقبله ليس سوى امتداد لذلك الماضي والذاكرة هي التي تحفظ للوجود الفردي وحدته , وهي التي تجعل حياة الانسان متماسكة ملتحمة الاسباب والنتائج والتاريخ قطعا هو ذاكرة الشعوب والامم التي تحفظ بها وحدتها وتختزن فيها مفاخر ماضيها وامالها في الحاضر والمستقبل .

 من هنا راحت عائشة عبد الرحمن تستخلص لأدبنا العربي قيما جديدة نابعة من تراثنا الأصيل , دون الالتزام بالقيم التي ذهب إليها نقاد نظروا الى التراث بأذواق مختلفة، ولتخلص ذلك التراث من أراء نقاد نظروا الى تراثنا بروح العداء وحكموا عليه بعقلية توجهاتهم المشبوهة، ليتناقلها الدارسون جيلاً بعد جيل في جامعاتنا الأكاديمية ومراكز البحوث ودور النشر والاعلام على اختلاف مشاربها وتوجهاتها .

وبما أن الأدب عصارة روح الشعوب بمختلف قضاياها الاجتماعية  منها والتاريخية، لذلك رأت بنت الشاطىء ان حيثما كانت الحياة قوية زاهرة , كان الأدب في طليعتها وقائدها وصورتها , وحيثما ركدت الحياة فيها وتخلفت كانت محنتها بالأدب تعادل محنتها بالحياة .

ومما لا شك فيه ان المؤثرات التي واجهت الادب العربي سواء قديمة او حديثة هي نفسها حيث طرأ على مؤثراتها الاجتماعية والعقلية أفكار جديدة وممارسات كثيرة دخلت على الأدب العربي منذ العصر الجاهلي الى الفتوحات الاسلامية ونشوء دولة الخلافة الراشدية ثم الاموية فالعباسية الى ان دخلت بعصر الانحطاط وبروز الدويلات المتعددة على الساحة الأدبية  .

انعكست هذه المؤثرات التي فرضتها ظروف عصرهم على صراع العناصر المكونة لهذا المجتمع والمؤثرات السياسية من تنازع القبائل والأسر ونظم الحكم ، وكان لها التأثير الواضح على الأحكام الأدبية حينها.

 فكل الأحكام التي صدرت على هذا الأدب تأثرت بألوانٍ شتى،  لذلك كانت أصداء ونتائج لهذا الواقع المجتمعي والمادي .

لهذا كان للاحكام والمقاييس النقدية تأثرها الواضح بالأذواق التي قضتها ظروف عصرهم الاقتصادية والاجتماعية وما زالت أحكامهم ونماذجهم ومقاييسهم هي التي تتركز عليها دراساتنا اليوم .

تقول د. عائشة بذلك : ” قضي علينا ان نستعير عقليتهم وذوقهم لنفهم تراثنا ونتذوقه، ثم لتبرز لنا رفض ابن قتيبه عالم 276هـ استعارة ذوق السلفيين بقوله:” لم اسلك سبيل من قلد أو أستحسن باستحسان غيري”([1]) .

  وتقول بنت الشاطىء في ذلك : اذا كان ابن قتيبه يرفض الاخذ بوجهة نظر غيره في تقييمه للادب القديم , فحري بنا اليوم -ومستقبلنا بلا شك معركة فكرية بعد ان انقضى عصر الاستعمار العسكري -, ان نخوض هذه المعركة , فوجودنا الكريم لا يحميه الا صوت مقوماته المعنوية والمادية , ولأن قانون الوراثة أشد احتكاماً هنا من أي ميزان آخر إذ أن الأمر متصل بالشخصية الوجدانية للأمة([2]) .

اعتبرت بنت الشاطىء ان استخلاص قيماً جديدة لأدبنا العربي القديم يجب أن يكون نابعاً من تراثنا الأصيل , دون الالتزام بالقيم والأحكام التي ذهب إليها نقاد نظروا الى هذا التراث بذوق عصورهم وحكموا عليه بعقلية زمانهم وقوموه بموازين بيئاتهم ومجتمعاتهم([3]) .

لهذا رات بنت الشاطىء ان الانطلاق يجب ان يكون من تراثنا الأدبي دون الالتفات الى أحكام مؤرخيه واراء نقادٍ نظروا الى هذا التراث بذوق عصورهم وحكموا عليه بعقلية زمانهم وقوموه بموازين بيئاتهم ومجتمعاتهم([4]) . اكدت بنت الشاطىء ان الانطلاق يجب ان يكون في التفرقة بين تراثنا الأدبي وبين احكام مؤرخيه واراء نقاده لهذا كانت مهمتنا هي استخلاص القيم دون الالتزام بما اعتمدة علماء الشعر القدماء من أراء وأحكام ومقاييس نقدية تلتزم مقاييس زمنهم لذلك قامت باستقراء النص الأدبي منه والشعري في ضوء الواقع التاريخي دون ان يغيب عنها المؤثرات التي دخلت عليها من تأثيرات دخيلة وبذوق عصرى شخصي المزاج حسب مذهبها في الفن والحياة دون خروجها بالنص عن واقعيته وبيئته وروحية عصره .

هذا بعض الجزء الاول من الكتاب الذي يدرس بعض نماذج من أدبنا القديم في العصر الأموي والعباسي وعصر الانحطاط للوصول الى الفترة الأدبية المعاصرة التي ستكون محور التركيز وذلك لأن  وجودنا يفرض علينا ان نضيف جديدا الى مقومات حياتنا الأدبية المعاصرة، فتلك هي سنة التطور ومن ماضينا يكون منطلقنا الى مرحلة تبدأ حيث انتهى أمسنا للاستفادة من كل جديد نافع . واذا كان الوقوف الجامد لما وصل اليه السلف خروجاً عن قانون التطور فان بتر ماضي الأمة والانطلاق من فراغ مسخ لمفهوم التطور الطبيعي للأفراد والأمم وتضييع لمعالم الشخصية القومية والتاريخية وهو ما أراده دعاة التغريب من التطوريين من اصحاب نظرية داروين وغيرهم من جنود المشروع الصهيوني على كانت المستويات الاكاديمية والاعلامية([5]).

واذا كان منطق التطور يفرضى ان يضيف الى عصرنا الادبي جديده، فسذاجة ما بعدها سذاجة ان يتصور البعض ان تطور ادبنا يعني ان ينطلق بجديده، بمعزل عن ميراث ماضيه، وينسوا ان الآداب الوافدة اذا جاءت على فراغ وخلاء لا تضيف الى وجودنا شيئاً ، وانما تفرض علينا ان نعيش بوجدان مجلوب مستعار. وان هذا الوجدان سيكون من صنع مذاهب غريبة تعمل على تشويه موروثنا وتضييع حاضرنا ومستقبلنا .

ومستقبلنا بلا شك معركة فكرية بعد انقضاء عهد الاستعمار العسكري ولا مفر لنا  من خوض هذه المعركة فوجودنا الكريم لا يحميه الا صون مقوماته المعنوية والمادية وهذا ما يحدد وجودنا الحي دون زيف او ضلال([6]) .

اعتقدت بنت الشاطىئ ان الادب العربي المعاصر لن يقوم بدوره الايجابي في معركة الوجود ما لم يتخلص من الرواسب التي شوهت تراثنا الادبي وما لم ننجوا بذوقنا من سيطرة الاذواق التي ورثناها سابقاً والتي نتداولها حاضرا . فالتخلص من مخلفات عهود الضعف السابقة والانقياد الاعمى الى تيارات الفكر الغربي اليوم، هو ما يهدد مصير امتنا حاليا ولن تقوم للادب العربي فينا قائمة ما لم تهدم الاسوار التي عزلت اجيالنا المتعاقبة عن بهاء تراثنا واجمل ماضيه، وما لم نمح الظلال التي حجبت عنا ميراثنا الادبي، كما ترى ان الاديب المعاصر يستطيع ان يصغي الى نبض الحياة في اضيق زقاق في قريته ويحلق بها في رحاب الافق الانساني فوق كل حدود، فجوهر المعاصر هي ان يصغي الاديب الى النبض الوجداني للانسان، اينما كان وبقدر ما يتميز العمل الادبي تكون اصالته وفرصته للعالمية وللخلود([7]) ,

واقع المجتمع العربي المعاصر :

الا ان الذي حدث كما تراه بنت الشاطىء في محيطنا الثقافي، هو انشغال الامة في مصر وسائر اقطار الوطن العربي بنضالها السياسي عن وجودها الفكري ، كما انشغلت الجامعه المصرية عن اعباء مركزها القيادي في الامة، وانطوت على كيانها المريض تحاول ان تستبقى فيه روح الحياة وارادة البقاء، في الوقت الذي كانت فيه دور العلم الاخرى في الوطن العربي ترزح كذلك تحت اوضاع مماتلة للتي كانت في مصر، وفتحت الابواب للبعثات التبشيرية والارساليات الاجنبية من كل جنس ولون وهذا ما ادى الى فقدان التعاصر الثقافي والوضوح الفكري في مرحلة التكوين والتاثر من ابناء هذا الجيل والاجيال التي بعده، وتستعرض بنت الشاطىئ هذه الظاهرة فتقول: “فينا من تلقى زاده الاول من نبع عربي صميم حصنه ضد تيارات الفرنجة الوافدة ، وفينا من لازاد له الا الفكر الاجنبي فقد امضى مرحلة الحضانة العقلية والتكوين النفسي في بيئة عزلته عن وجود امته “ ([8]) . هكذا دخلنا الميدان الادبي ونحن نحمل رضينا ام كرهنا ، ميراثنا المحتوم، هكذا التقينا او نلتقي  وكائنا غرباء او اعداء .

لقد اتيح لبنت الشااطىء الاشتراك في كثير من مؤتمرات ادباء العرب وحضرت ندواتهم في اقطار كثيرة من وطننا العربي كما اتيح لها ان تلتقي بادباء تلك الاقطار في حلقات دراسية ومؤتمرات دولية في اوروبا فكانت ظاهرة فقدان التعاصر والتواصل تسيطر على جموعهم.

 وبدا لها بوضوح انه ما من صاحب قلم الا اخذ مكانه بين الاستغراق في الرجعية او الانجراف في تيارات التقدمية الغريبة، بمختلف تياراتها من يمين ويسار، بحيث يصعب على اي مراقب ان يلقى في الجمع المحتشد الا حزبين متباعدين يتحمس احدهما لقديمنا ولا يمل اجترار ذكرياته والتغني بأمجاده والتفاخر بأبطاله ([9]) .

اما الفريق الاخر فقد طرح وراء ظهره كل ماضي امته، مصغيا بكل وجدانه الى دعوات الحاضر، مشدود البصر والعقل والوجدان الى امم الغرب ، يدين لها بالولاء الادبي والفكري .

رات بنت الشاطىئ انه يمكن تفسير هذه المواقف بانها ظاهرة طبيعية في هذه المرحلة عرفتها الدنيا في كل عصور الانتقال، فما اسهل ان يقال لا باس علينا من هذا الصدام فهو دليل حيوية ونشاط، وصمام امن يحتفظ للامة ببعض تراثها، ويلتمس لها جديد غدها فيحميها من الجمود والتحجر ويغفل عما وراء هذا الظاهر البادي من اعماق غائرة غاية في الخطورة على مصير المجتمع والأمة . كما كشف لها ضجيج  المعترك الادبي الحاصل بين الفريقين عن مخاطر قد تتفجر براكين تزلزل هذا الوطن الواقع في مهب العواصف التي تأتيه من كل جهة وصوب ، كما كشفت لها هذه المعطيات عن عقد وازمات لا يهون معها اخذ الأمور بظواهرها ولا يسلم معها الاطمئنان الى ان ما يصطخب  فيها من تيارات متضاده لا يعدو ان يكون دليل عافية واتزان، وظاهرة طبيعية للمرحلة التي يجتازها مجتمعنا العربي . وهذا ما رفضته رفضا قاطعا فليس الامر بهذه البساطه واليسر، ويحمل في طياته كوارث ستضرب مجتمعاتنا في كافة وطننا العربي ، وهي لم تجد اي قدر مشترك من الملامح الفكرية الشاهدة على انتمائهم لامة واحدة وعصر واحد وترى في تلك الظاهرة اثراً محتوما للتفاوت الكبير في ظروف نشأتنا ومناهل ثقافتنا، الامر الذي اثر بالتباعد لا بين الادباء فحسب ولكن على مستوى كافة الطبقات الاجتماعية في وطننا العربي([10]) .

تحدثت بنت الشاطىء عن ظاهرة التفكك الاجتماعي كما تحدث عنها بعض ادباء وساسة مصر وفي هذا يشبه احد الادباء المجتمع المصري الطفل الوليد الذي يحتاج الى التربية التي تؤهله ان يصبح كائناً مستقلا يفكر بعقل واحد او متقارب ويؤثر في الدولة والمجتمع تأثيراً ظاهراً فالتربة صالحة لنشأة هذا المولود ولكن التربية مهملة. فكل شيء في وطننا يجعل من هذا المولود مشوها مضطربا مشتت الرأي، لأن كل شيء في بلادنا له نسخ متعددة واثواب مختلفة، فهناك تعليم اجنبي وحكومي وتعليم جامعي خارجي ومحلي كل هذا الخليط في الاوضاع التعليمية والتربوية، والاطار الذي يعيش به المواطنين ابناء البلد الواحد، جعل لهم بالضرورة عقليات مختلفة، كل عقلية تفكر تفكيراً خاصا , وترى الدنيا من زاوية منفردة، وكان من اثر ذلك ان سجن كل  فرد داخل حلقة منفصلة عن غيره، وجعل الفرد يرى الدنيا من زاوية منفردة ، لا يشعر بشعور مواطنه الآخر ولا جاره حتى، وتنفكك عقلية الأمة الواحدة، وبتفكك عقلية الراي العام في الوطن الواحد الى عقليات متعددة مختلفة متضاربة، ويتم تفكك شخصية الأمة واذا تفككت شخصية الأمة، فمعنى ذلك انحلالها وموتها ، وهنا تصبح مسؤولية الأدباء كبيرة وخطيرة على صحة المجتمع ومصير الوطن، ومبادىء حقوق الانسان لا تتنافى، بل تقابلها حقوق الجماعات بعد أن اصبح للعدد اي للكتل البشرية ارادة وحقوق خاصة، فعل المفكر ان لا يتجاهل هذه الافراد او الجماعات ، فأمواجها الهادرة قد تعلو لتغرق البلاد بابشع انواع الفتن .

 لهذا أبرزت بنت الشاطىء الدور العظيم الذي قام به الزعيم القائد جمال عبد الناصر في تحليلها لأبعاد فكره الاجتماعي والسياسي في كتابه فلسفة الثورة، الذي اعتمده فترة حكمه في المدارس المصرية على مختلف انتماءاتها ، ولتبرز ذلك بقوله في وصفه لهذه الظاهرة الخطيرة: “اباً معمماً من صميم الريف وأماً منحدرة من أصل تركي،  وابناء الأسرة في مدارس على النظام الانكليزي، وفتياتها في مدارس على النظام  الفرنسي ” . كل  هذه النماذج داخل أسرة واحدة، لتبرز بنت الشاطىء مقدرة واخلاص الزعيم عبد الناصر في محاولاته لعلاج آفات مجتمعه لتمتعه بالضمير الواعي كقائد مسؤول عن تبعاته السياسية التي تكمل قطعاً دور الأدباء والمفكرين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ حياتنا، وبعد التحول من عصر التبعية الاستعمارية الى عصر الحرية والبناء، ومسؤولية الأدباء والقادة السياسيين واحدة في هذا الشأن، لانهم يحملون مسؤولية مشتركه عن الأفكار التي تتسرب الى الاجيال الجديدة ([11]) ، الا ان القدر لم يمهل ذلك القائد لإكمال ما بدأ به في محاولاته لرأب الصدع في هذه الأمة المنكوبة بشتى أنواع العلل، وليس أقلها دعوات التقدميين ومقالات التطويريين.

وفي هذا تقول بنت الشاطىء:” نحن جميعاً ننتمي باقتراب ميراثنا الى عصر الاحتلال الأجنبي لبلادنا حيث عطلت الطاقة الفكرية والعقلية لمن لم تتاح لهم فرصة التعليم من أبناء هذه الأمة وفتحت الأبواب للبعثات التبشيرية والإرساليات الأجنبية من كل جنس لون لتتغلغل في صميم الوجود الفكري للأمة، ولتسلخ ما استطاعت سلخه من أبنائها بما تزرعه فيهم من عقدة الشعور بالنقص وما تلقى في روعها من ان الشرقية سمة تخلف وانحطاط وان اتصالنا بقديمنا ظاهرة تحجر وجمود([12]) .

وكان على راس ظاهرة التغريب هذه، قادة فكر وكتاب يدعون للتفكر بكل ما هو عربي للتخلص من التخلف العقلي والجمود الفكري وكان أحد الأقطاب الكبار لهذا الدعوة المفكرو والكاتب اسماعيل مظهر الى جانب الداعية سلامة موسى الذي راح يدعو للتخلص من اللغة العربية، وفي هذا يقول:” الدعوة باننا امة شرقية الدم او الثقافة او الحضارة هي دعوة زائفة لا أساس لها البتة”. ولهذا راح يعلن موقفه بانه “كافر بالشرق مؤمن بالغرب” وهذا  ما جعله يصرح بأنه في كل ما كتب ويكتب يحاول أن يغرس في ذهن القارئ النزعات التي اتسمت فيها اوروبا في العصر الحديث”.

 هكذا راحت بنت الشاطىء تسترجع صدى تلك الأصوات الداعية الى التحرر مما أسموه عتيقنا البالي ومبشرة بارض غريبة لا تمت الينا الا بصلة العداء ونهب الثروات.

لقد أصغت بنت الشاطىء في صباها إلى أصوات المعاول تهوى في قسوة وإصرار على الأسس التي أرساها فوق ارضنا ادباء  وعلماء كثر سهروا على مضاجع قومهم، يهزوها بدعاء الفجر ويخايلوا ابناء شعبهم برؤى مثيرة عن ماضٍ لنا عريقاً قبل أن تطويه المحن لتبرز صوت أحد أبرز وجوه الهدم الكاتب اسماعيل مظهر في تصريح له لمجلة المقتطف في تعظيمه للحملة الفرنسية وتشنيعه على الشعب المصري وعلى راسهم جمال الدين الافغاني فقد اشتدت ضربات معوله على الأفغاني ليرى فيه صورة لعصر من العصور البائدة في تاريخ الفكر الاسلامي ، وبعد ان مسخت أزهي عصور الحضارة العربية الاسلامية في وجدان اسماعيل مظهر فيما ترى بنت الشاطىء في حضارتنا ازهى  وانضر عصور الإنسانية وعلى أساسها المتين كان منطلق حركة الاحياء “الرنسانس” التي بدأت بها أوروبا عصر نهضتها الحديثة([13]) .

 وتقول بنت الشاطئ في تعليل هذه الظاهرة،” مسخت لان الذين حملوا لواء القيادة فيها عرب مسلمون وصارت جريمة جمال الدين الافغاني عند اسماعيل مظهر وأقرانه أن الافغاني أعاد إلينا صورة مصغرة أو مكبرة عن علمائنا الذين يعتز بهم تاريخ الفكر البشري والحضارة الانسانية وكانت تهمه الافغاني عند اسماعيل مظهر انه دعا الى استقلال الشعوب الاسلامية وإعدادها لمقاومة النفوذ الأوروبي الذي يعمل مظهر وأقرانه عليه في هذا الشرق .

هكذا راح معول اسماعيل مظهر ينفذ بضربات حادة الى أعماق وجودنا في شخص الأفغاني الذي عده اسماعيل مظهر “وريث العرب” بحق في علومهم وفلسفتهم، وقف من الرقي حيث وقفوا عند النظر الغيبي، فكان كل ما دبجته براعته، او تحرك به لسانه  مثالاً حياً لما اختلط من مباحث آياته القرآنية، وكتب اختلط فيها العلم بالفن ليخرج من مجموعها فلسفة هي عنوان ما بلغ الفكر الانساني من تهوش وانحلال .

تشير بنت الشاطئ الى المعول الآخر في هدم ثقافتنا القومية آلا وهو صوت الكاتب سلامه موسى الذي لم يجد في ماضينا العربي خير قط، ولم يلحظ في تاريخ الحضارة الاسلامية بذرة تصلح للبقاء وهنا تستعرض كتابه “هؤلاء علموني” اذ لم يسمح لأي مفكر عربي أن يأخذ مكاناً في ذيل الموكب الجليل لمعلمي سلامة موسى وتعدد منهم -تولستوي- ماركس – بافلوف – ديستيوفسكي – داروين – فرويد الخ … الى اخر القائمة الأجنبية التي ليس فيها اسم عربي واحد.

كانت بنت الشاطئ تسمع هذه الاصوات في مطلع صباها وهي التي نشأت في بيئة دينية وصلتها بامجاد الحضارة العربية الاسلامية وروائع التراث الفكري والأدبي فيها كبيرة حيث كانت تستشرف آفاق المنهج الاسلامي للمعرفة قيماً إنسانية رفيعة ومثلا عليا لا تطمح البشرية الى أعز منها حفظت كلمات وأفكار لعلماء كبار سلفوا قررت كرامة  الانسان واعلت شرف العلم وحرية الكلمة من قبل ان تسمع الدنيا بهؤلأ الفرنجة بكل انجازاتهم وموبقاتهم من هؤلاء الذين علموا المتجهون غرباً من ابناء أمتنا .

إلا ان الذي حدث فعلاً، كما تعلله بنت الشاطئ ان الكثرة من اصحاب القديم جمدت على قديمها برجعية كافرة بالتقدم ففقدت صلتها بالعصر والحياة كما ان الكثرة من اصحاب الجديد فتت بحديثها وفقدت كل اتصال بقديمنا فعز على القلة التي احتفظت برشدها بين التيارين إلا أن تحمي الشباب العربي من مأسات الضياع والحيرة هكذا راحت بنت الشاطئ تحاول اصلاح الصورة التي اختلفت بشأنها التيارات المتنافرة لتظهر حقيقة الاسلام في دعوته إلى العلم باول اياته -اقرأ- وبتوجهه دوما لذوي ” الألباب ” لتنفي عن هذا الدين كل أسباب التخلف والجهل التي اتهمه بها تيار التقدميين باعتباره هو المسؤول عن تعطيل أي تطور، فتوهموا أن خلاصنا هو في انتزاع انفسنا المشبعة برأي الاسلام لنزرعها في ارض غريبة من اعداء البشر، لأنها رأت بذلك أننا سنصبح فريسة سهلة في براثن أعداء البشرية .

والذي تؤكده بنت الشاطئ أن للتيار التغريبي دعاة من أجيال متتالية وتستشهد على ذلك بكتاب غالي شكري الذي يحمل عنوان ” سلامة موسى وأزمة الضمير العربي المعاصر ” كنموذج لتفكير شباب صلتهم بسلامة موسى صلة أبوة فكرية وروحية تأثروا بالأصوات التي ترددت في الأفق داعية إلى نبذ قديمنا كله ومبشرة بأرض جديدة لا جذور لنا فيها لتظهر حقيقة الصراع الفكري الذي قام منذ اجيال بين مجتمعنا العربي الذي يخوض اشرس انواع المعارك المهددة لوجوده والتي مارست وتمارس أبشع أنواع الجرائم المنظمة ضد بلداننا وشعوبنا على مختلف ساحاته الفكرية منها والعسكرية وفي شتى أقطارها .

هكذا راحت د. عائشة عبد الرحمن في كتابها هذا تبرز معظم التناقضات الفكرية التي وقع فيها النقاد قديماً وحديثاً محاولة منها وإسهاماً في الدفاع من ثقافتنا القومية إبراز لملامح أمتنا في مرحلة دقيقة من مراحل حياتها فالقضية لديها ليست قضية عابرة إنه مصير أمة غير أنه يحصل تحت الحاح وظروف عامل خارجي ملح وحاسم لما في تلك القضية من خطورة في تحمل نوع الخيارات المطروحة على مستوى من التحدي الذي لا يجري على مسرح انساني عادي ولا على ثقافات عادية إنه تحد يشمل أشد انواع الثقافات تماسكا ومنطقاً وسؤدداً وقوة، فهو تحد شامل لثقافات عصر برمته بين حضارة آفلة قامت يوما على نبل الأديان السماوية وحضارة سائدة قامت من محاكم التفتيش ثم ازدهرت وأينعت نتاجها الطبيعي لقانون الوراثة، وطرحت اسرائيل وهيمنت على مختلف ساحاتنا وشوارعنا بعد أن حولت الأديان السماوية سكينة للذبح على الهوية الطائفية .

[1]) د. عائشة عبد الرحمن: قيم جديدة للادب العربي القديم والمعاصر،  ص13

[2]) د. بنت الشاطىء قيم جديدة للادب العربي القديم والمعاصر ص 19

[3]) د. بنت الشاطىء قيم جديدة للادب العربي القديم والمعاصر ص 15

[4]) د. بنت الشاطىء قيم جديدة للادب العربي القديم والمعاصر ص48

[5]). د. عائشة عبد الرحمن قيم ادبية جديدة للادب العربي القديم والحديث ص  188

[6] ) عائشة عبد الرحمن قيم ص 179

[7] ) عائشة عبد الرحمن قيم ص 212

[8] ) عائشة عبد الرحمن، قيم نقدية ، ص 171

[9] ) عاشة عبد الرحمن ، قيم نقدية ، ص 166

[10] ) د. عائشة عبد الرحمن قيم جديدة للادب العربي القديم والحديث ص 17

[11] ) عائشة المرجع نفسه ص:170

[12] ) عائشة، المرجع نفسه، 104-110

[13] ) عائشة المرجع نفسه ص 206-208